العقوق الصامت
 
يؤلمني  جداً منظر أمٍّ تجاوزت  الأربعين أو الخمسين  أو الستين وهي تعكف على خدمة ابنتها العشرينية موفورة الصحة و العافية أو خدمة أبنائها الصغار!
 
يؤلمني  جداً أن أرى أباً تجاوز الأربعين أو الخمسين  أو الستين يحمل ما يحمل من آلام المفاصل والظهر ، يخدم ابنه الشاب العشريني و الثلاثيني الذي لا يفتأ يزمجر و يطالب بحقوقه ، أو هو من يقوم بشراء مقاضي البيت بدلا عنهم !
 
إن العقوق ليس صراخا أو شتما أو رفع صوت على الأم أو الأب، بل له صوراً أخرى صامتة قد تكون أكثر إيلاما من صور العقوق الصريحة!
 
من البر بأمهاتنا أن لا نستغل عاطفتهن و غريزة الأمومة لديهن في خدمتنا وخدمة أطفالنا !
وكل ما ذهبنا لمكان ما لعمل أو لنزهة تركنا صغارنا عندها بحجة لم يوجد أحد يرعاهم في غيابنا ، أو بحجة أن الصغار يكدروا نزهتنا أو بحجة ممنوع دخول الأطفال لمكان ما ، ثم نذهب نحن لنلهوا  ونفرح ونترك الأم تعاني مشقة نومها ونومهم فضلا عن نظافة البيت ونظافتهم .
 
من البر بأمهاتنا أن لا نخبرهن بكل صغيرة وكبيرة تكدر خواطرنا… 
لأن تلك الصغائر ما هي إلا هموماً  تتراكم في قلوب الأمهات المحبات مسببة لهنّ من القلق و الألم النفسي و الجسدي ما لا يمكن أن يتصوره الشباب و الشابات!
 
إن نفس الأم و كذلك الأب عند كبرهم تصبح نفساً رقيقة في غاية الرقّة ، تجرحها كلمة وتؤلمها لفتة… 
وأشد ما يؤلمها هو : رؤية أحد الأبناء في مشاكل و تعب .. !
هناك مشاكل يمكننا حلها بأنفسنا… 
هناك ثرثرة و شكوى فارغة نستطيع أن نبقيها لأنفسنا أو لأصدقائنا … 
بِراً بأمهاتنا وآباءنا!
 
لنسعدهما كما أسعدونا ونحن صغار!
لنريحهما كما خدمونا وتحملونا في طفولتنا المزعجة ومراهقتنا الثائرة!
لنضغط على أنفسنا قليلا من أجلهما كما ضغطوا على أنفسهم كثيرا و حرموا أنفسهم من متع عديدة لكي لا تربينا خادمة أو لكي لا نبقى وحدنا في البيت!
 
لنساعدهما على استيعاب جمال التضحيات التي قدموها من أجلنا!
لنكن ناضجين في تعاملنا مع والدينا… 
ناضجين ومسؤولين في السعي وراء طموحاتنا!
أعمالنا وأبناؤنا مسؤوليتنا و ليسوا مسؤولية أمهاتنا وآباءنا! 
 
لقد تعبوا بما يكفي في شبابهم و أدوا كامل واجباتهم ومسؤولياتهم… 
وآن لهم أن يستريحوا و يعيشوا في هدوء واسترخاء!
الأم الستينية اليوم في مرحلة تُخدَم فيها و لا تَخدِم ! 
إن الأب الستيني أو السبعيني اليوم في مرحلة قطف الثمار، لا زرع البذور وسقايتها!
 
ولابد أن نتذكر دائما أن آيات البر بالوالدين جاءت عامة ثم مخصصة للوالدين عند كبر سنهما لما يحدث لهما من ضعف و تغيرات نفسية و جسدية لا يمكن أن يستوعبها الشباب غالبا، لذلك جاء التذكير ، قال تعالى : (  إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ) [ الإسراء : 23 ] .
 
رزقني الله و إياكم بر والدينا لأننا بدون برهما لا نساوي شيئاً.
اللهم اغفر وارحم لي ولوالدي ووالديكم وللمسلمين والمسلمات أجمعين ، الأحياء  والأموات يارب العالمين.
 
 * منقول .
الكاتب : مها نور