رمضان وصناعة الذات

 

 رمضان وصناعة الذات


في الصحيحين عن الربيع بنت معوّذ رضي الله عنها أنها قالت - عن يوم عاشوراء - : كنّا نصومه ونصوّم صبياننا
ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار .
وعند ابن خزيمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر برضعائه في عاشوراء ورضعاء فاطمة فيتفل في أفواههم ويأمر أمهاتهم أن لا يرضعن إلى الليل .
من خلال هذين النصّين نتلمّس عظم هذه الشريعة ( الصوم ) وأثرها في صناعة الذات وتقوية الإرادة عند المرء - سيما الأطفال - . والفرد المسلم حين ينشأ متعوّداً على التحكّم في رغباته فإن ذلك يعني أساس صناعة الذات . بعكس الذي ينشأ وهو لا يستطيع التحكّم في رغبات نفسه وهواها فتتخبّط به هنا وهناك . نتعلّم من هذا :
-          أن تمام الشفقة على الأبناء لا يعني - بالضرورة - تلبية رغباتهم كلما بكوا أو صرخوا .
    هناك محطّات في الحياة تستحق منّا أن نكون أكثر رفقاً بهم بحسن تنشئتهم وغرس المعاني الجميلة في نفوسهم .
-          تعويد الأبناء على الاستقامة وتعظيم شعائر الله منذ الصّغر  ، يربّي فيهم حب الاستقامة والرغبة فيها سيما لو تربوا عليها بطريقة التحبيب لا بطريقة الفرض والتأديب .
-          ينبغي أن نتجاوز في تربيتنا لأبنائنا على المعاني الجميلة أن نتجاوز لغة الفرض والسلطة والقوة إلى لغة المداراة وتحبيب العبادة لهم بكل وسيلة مباحة ممكنة .
يخطئ بعض الآباء حين يريدون تعويد أبنائهم على القيم السامية حين يستخدمون معهم لغة الضرب والتعنيف والقسوة والإكراه .
فترتبط هذه القيمة في حسّ الطفل بالإكراه والعنت والمشقة . فيكبر وينمو هذا الشعور والارتباط معه ، فلربما ترك تلك القيم في مرحلة من عمره هو أكد ما ينبغي أن يكون عليها كمرحلة البلوغ والتكليف .
  
 
من الأفكار في تعويد الأبناء على الصيام في رمضان :

1-     عدم عزلهم تماماً عن الأسرة إذا اجتمعت على مائدة الإفطار .
فبعض الآباء حين يجتمع مع أبنائه على مائدة الإفطار فإنه يطلب ممن لم يصم أن لا يجلس معهم على المائدة - بحسن نيّة أو غير ذلك - ، وفي هذا العزل عدم استغلال للحدث في تعويد الطفل على رؤية هذا المشهد المهيب وهم ينتظرون لحظة الأذان ليفطروا ، بل إن بعض الأطفال ربما يقلّد أباه أو أمه فلا يطعم التمرة ولا الماء وهو على المائدة حتى يسمع الأذان .

2-     مشاركة الأبناء في طعام السّحور .
فإن في طعام السّحور ( بركة ) كما اخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " تسحّروا فإن في السّحور بركة "  ولعل من بركة السّحور أن يكون فيها دماً معنويّاً وحسيّاً للطفل أن يتمّ الصوم .

3-     تعويد الأطفال على الإمساك من وسط النهار . فإن ذلك أدعى وأقرب إلى أن يصبر الطفل عن الطعام والشراب حتى الغروب .

4-     عمل منافسة بين أبناء العائلة الواحدة .. من يصوم أكثر الأيام يكون له من ( العيديّة ) يوم العيد على عدد أيام صيامه .

هذا النوع من التحفيز والمكافأة - سيما مع الأطفال - له أثره ، ولربما أحجم بعض المربين عن مثل هذا النوع من التحفيز تنزّها عن أن يربط العبادة بمقابل ماديّ .
والحقيقة أن الطفل في طفولته ينبغي أن يغذّى عنده جانب الإيمان بالغيب ، وفي نفس الوقت لا يُغفل جانب المكافأة والتحفيز المادّي لأن المحفّز المادّي عند الطفل أقوى من المحفّز الموعود .
5-     عمل لوحة ( تشريف ) في البيت يسجّل فيها اسم الابن أو البنت الذي يتم صوم يوم كامل . كل يوم بيومه .

6-     التقليل من فرص اللعب عند الطفل ، خاصة الألعاب التي تتطلب الحركة والجري كلعب الكرة أو نحو ذلك . لأن الإفراط في اللعب يجعله يحتاج إلى شرب الماء .

7-      تعويدهم على المشاركة في صناعة الطعام سواء للصائمين داخل البيت أو خارجه وتحفيزهم بالأجر الأخروي .
 
هذا والمقصود هو أن يدرك الأبوان أهمية الاهتمام بهذه العبادة واستثمار هذا الشهر في تعويد الأبناء على صناعة ذواتهم بطريقة يتحكّمون فيها برغباتهم وأهواءهم قدر المستطاع . والصوم من أفضل وأعظم الأعمال التي تصقل ( إرادة ) النفس وتهذّبها .
ربنا تقبل منّا إنك أنت السميع العليم .
الكاتب : أ. منير بن فرحان الصالح