التربية الأسرية العملية من خلال سورة يوسف 1 / 2

 

 
نستعرض التربية الأسرية ومشاكلها وحلولها من خلال سورة يوسف ، والتي تتجلى فيها الواقعية من خلال أسرة نبوية ، وتظهر فيها مرونة المعالجة للأخطاء التي تعترض أفراد الأسرة ، ونرى طموح الآباء ، وصعود وانحطاط بعض الأبناء ، ونرى المحن والفتن التي تعترض الأسرة ، كما نرى النصر ، والجلوس على سدة الحكم بكل تواضع ، ونرى كيف تهتز أسرة العزيز بالحب الهادر وفي مقابل ذلك نرى الطهر الكامل ، ونرى التربية القرآنية تعرض المشهد بلا تهييج للقارىء في أدق الأمور الجنسية بين الجنسين ، فلا تتحرك المشاعر الهابطة ، وإنما تتفاعل المشاعر العليا في الاستماع وقراءة القصة ، وتلك من معجزة القصص القرآني ، ونرى حسد الأخوة وغيرة الكبار من الصغار ، وارتكابهم خطأ كبيرًا في رمي أخيهم الصغير في الجب للتخلص منه ، ونرى عفو الصغير عنهم في كبره بعزه وجاهه وسلطانه ، فلا ينتقم لنفسه فيعفو ، ويصفح ، مقتديًا بوالده الذي عفا عن إخوته قبلاً ، وهكذا يظهر الحق بعد حياةمريرة للأسرة ، وتستقر عندما يعرف كل أخ فضل أخيه ، ويبتعد الكبار عن حسد الصغار ، ويتعرفون إلى أن سبب ذلك نزغ الشيطان بينهم ، إلى غير ذلك من المواقف التي نستعرضها على وجه الإجمال فيما يلي :
 
عند قراءة سورة يوسف قراءة تربوية نستلهم النقاط التربوية العملية التالية تحقيقًا لقوله تعالى .
 
- في بداية السورة : ( لقد كان في يوسف وإخوته آياتٌ للسائلين ) [يوسف / 7] .
 
- وفي نهايتها ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب ما كان حديثًا يُفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدىً ورحمة لقومٍ يؤمنون )[يوسف/111] . وهكذا تنسجم بداية السورة مع ختامها ، في أخذ العبر والعظات الاعتقادية والتربوية ، وإليك بعضًا منها :
 
1 -  تسلية وتثبيت قلب سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه المؤمنين ، الذي لم يكن يعرف عن يعقوب ويوسف شيئًا ، والمعروضتان في التوراة باللغة السريانية ، لذا جاء التأكيد بنزول القرآن عربيًا ، لإظهار معجزة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، بأنه يوحى إليه ، ولتعلم العرب قاطبة كيف تتنزل القصص الإيمانية بلغتهم ، مع عجزهم عن المحاكاة للقرآن . ( الر تلك آيات الكتاب المبين  * إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون * نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين )[ سورة يوسف : 1 ، 2 ، 3] .
 
أخرج البخاري عن أبي هريرة قال : كان اهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل الله ] . قال القرطبي في تفسره : روي أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف فنزلت السورة ؛ وسيأتي تفصيلها . وقال سعد بن أبي وقاص : أُنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاه عليهم زمانًا فقالوا : لو قصصت علينا ؛ فنزل : ( نحن نقص عليك ) [ يوسف / 3] فتلاه عليهم زمانًا فقالوا : لو حدثتنا ؛ فأنزل : ( الله نزَّل أحسن الحديث ) [ الزمر / 23] . قال العلماء : وذكر الله أقاصيص الأنبياء في القرآن وكررها بمعنى واحد في وجوه مختلفة ، بألفاظ متباينة على درجات البلاغة ، وقد ذكر قصة يوسف ولم يكررها ، فلم يقدر مخالف على معارضة ما تكرر ، ولا على معارضة غير المتكرر ، والإعجاز لمن تأمل .
 
    وبذلك يتعلم الطفل المسلم قصص الأنبياء والرسل الواقعية ، بعيدًا عن الخرافة والأساطير التي تعرض الآن في الرائي تحت مسمى ( أفلام كرتون ) ، ويكون الطفل المسلم الوحيد - من بين أطفال العالم - الذي يتعلم قصص الأنبياء والرسل بشكلها الصحيح والسليم ، فيتعلم منها الاعتقاد والسلوك الصحيح ، ويتهيأ منذ الصغر على مقاومة الباطل ، مستمدًا من صمود الأنبياء والرسل منارة يهتدي بها في حياته الطفلية والمستقبلية ، كما تتعلم الأسرة المسلمة كيف تصبر على مواجهة الأحداث .
 
2 - نلاحظ من بداية السورة قرب الأب من ولده الصغير بحيث يصل لدرجة قص الرؤيا على والده وهذا يدل على قوة العلاقة الاتصالية بين الصغير ووالده ، ثم نرى معرفة الأب لحسد إخوته الكبار ، لذا ينصح ابنه الصغير يوسف بعدم قص الرؤيا على إخوته الكبار : ( إذ قال يوسف لأبيه يا أبتِ إني رأيتُ أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين * قال يا بُني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدًا إن الشيطان للإنسان عدو مبين )[يوسف/4 ، 5 ].
 
3 - ثم نرى نصح الأب لابنه الصغيرة بتوقع مستقبل النبوة له باصطفاء الله تعالى ، وتعليم الله له تأويل الرؤيا التي سيكون له شأن كبير فيها ، والتي ستكون سببًا لخروجه من سجن المستقبل ، والصغير لا يدري كل ذلك : ( وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليمٌ حكيم )[يوسف/6]
 
     ومن هنا نرى كلما كان الأب قريبًا من ابنه ، حصلت بينهما علاقة قوية ، تمكن الأب من معرفة طبيعة ابنه ومواهبه ، وبالتالي تمكنه من رسم مستقبله بما يتوافق مع طبيعته ، فلا يتعثر في المستقبل . وهذا حصل أيضًا لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حيث توقعت أمه وجده بأن له مستقبلاً رساليًا يقود فيه الأمة .
 
4 - ثم نرى حسد الإخوة الكبار لأخيهم الصغير المحبوب لقلب والده أكثر منهم ، وتواطئهم على التخلص منه ؛ باقتراحات مختلفة ؛ أعلاها القتل ، وأخفها الاستبعاد للصغير من وجه أبيه : ( إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عُصبةٌ إن أبانا لفي ضلال مبين * اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضًا يخلُ لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قومًا صالحين * قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين )[يوسف/8 ، 9 ، 10] .
 
    ونستفيد من تلك الآيات ضرورة كتمان الأب حبه الزائد ، وتفضيله أحد الأبناء على الآخرين ، وأن يشعر جميع الأبناء بعدله واقعًا وحسًا ماديًا ومعنويًا ، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم والد النعمان بن بشير وهو يريد أن يشهده على وهبه لابنه بستانًا ، ولم يهب الآخرين فقال له : [ أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء ؟ قال بلى ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : فلا إذن ][رواه الشيخان ].
 
فرجع الأب عن تفضيله أحد أبنائه متبعًا الهدي النبوي ، فسلمت أسرته من الغيرة والحسد والعقوق ، وعلى الأب أن يبين لأبنائه أن أفضلهم عند الله أفضلهم لديه ، وأحبهم لقلبه ، تحقيقًا لقوله تعالى : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ( الحجرات ) .
 
5 - ثم نرى جلسة أسرية ظاهرها الرحمة وباطنها المكر والتخطيط لبرنامج الخطة في استبعاد الصغير من وجه أبيه ، ظنًا منهم أن يخلوا بأبيهم من بعده ، ونلحظ من التخطيط أنه محكم العرض ، منسجم لما يتناسب مع الصغير وهو الفسحة في البر واللعب الجماعي ، والحب الصادق في ظاهره ومن جميعهم : ( قالوا يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون * أرسله معنا غدًا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون )[يوسف/11 ، 12] ومن هنا نرى أهمية لعب الصغير ، فهو المجال الذي يبني فيه جسمه ، ويمتع به روحه ، ويغذي به نفسه فهو خير كله ، وهو مطلب نبوي كذلك ، ليس أدل عليه من لعبه صلى الله عليه وسلم في صغره مع الأطفال ، وسماحه لأنس للعب مع أصدقائه ، وتسليمه على الأطفال وهم يلعبون ، ثم لتلعيبه سبطيه الحسن والحسين رضي الله عنهما أمام الناس وفي البيت .ونلاحظ أمرًا آخر يدعو للتأمل في الكلمة القرآنية وهي كلمة ( لا تأمنا ) التي فيها حكم الإشمام أثناء تلاوتها ، والإشمام ضم الفم عند النطق بالميم دون إظهار حركة الضم عند النطق ، فالتعبير القرآني يدل على اختلاس حركة الضمة ، وكأن النطق يدل على اختلاس الحقيقة في النفوس والتي لا يريد الأبناء إظهارها أمام والدهم ، والله أعلم .
 
6 - ثم نرى جواب الأب المناسب للعرض الخادع ، ونلاحظ الحوار الأسري يستمر في عرض الأحداث ، وتصويرها ، والحجج القوية من كل طرف : ( قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخافُ أن يأكله الذئبُ وأنتم عنه غافلون * قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبةٌ إنا إذًا لخاسرون )[يوسف/13 ، 14] ، وهكذا تم لهم ما أرادوه ، وانخدعوا بتدبيرهم وتخطيطهم ، ونسوا مراقبة الله لهم ، وهو الدرس الذي سيتعلمونه فيما بعد
 
     ونستفيد كذلك ضرورة إنشاء الحوار بين الآباء والأبناء ، إذ هو السبيل لتنمية مهارات الأبناء ، كما ينشط الآباء في التفكير في مشاكل الأبناء وحلها ، وأن يدربهم على إقامة الدليل والبرهان ، وأن يتجاوب معهم لنتائج الحوار .
 
 : : :  يتبع 
 * منقول 

الكاتب : محمد نور سويد
 09-09-2015  |  6466 مشاهدة

مواضيع اخرى ضمن  التربية الأسرية


 

دورات واعي الأسرية


 
 

إستطلاع الرأي المخصص لهذا اليوم!


هل ترى أهمية لحضور دورات عن العلاقة الخاصة بين الزوجين :

    
    
    
    
 

ناصح بلغة الأرقام


4008

الإستشارات

876

المقالات

35

المكتبة المرئية

24

المكتبة الصوتية

78

مكتبة الكتب

13

مكتبة الدورات

444

معرض الصور

84

الأخبار

 

إنضم إلى ناصح على شبكات التواصل الإجتماعي


 

حمل تطبيق ناصح على الهواتف الذكية


 

إنضم إلى قائمة ناصح البريدية


ليصلك جديدنا من فضلك أكتب بريدك الإلكتروني