لاتحرّضواالمرأة على زوجها !
 
عن أبي هريرة  قال : قال رسول الله  ( ليس منا من خبب امرأة على زوجها ، أو عبداً على سيده ) أبو داود والحاكم ( صحيح الجامع ) .
وفي رواية ثانية عنه  قال  ( من خبَّب زوجـة امرئ أو مملوكه فليس منا ) أبـو داود ( صحيح الجامع ) .
وفي رواية ثالثة في مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة  أن النبي  قال ( من خبب خادماً على أهلها فليس منا ، ومن أفسد  امرأة على زوجها فليس هو منا ) قال شعيب الأرناؤوط : صحيح وهذا إسناد قوي رجاله رجال الصحيح .
من خبَّب : خدع وأفسد .
 
خبب امرأة على زوجها : بأن يذكر مساوئ زوجها لها ويظهرها ويضخمها لينفرها منه ويحرضها عليه .
جاء في ( عون المعبود ) : ( من خبب زوجة امرئ ) أي خدعها وأفسدها ، أو حسَّن إليها الطلاق ليتزوجها أو يزوجها لغيره ، أو غير ذلك .

ولقد سئل الشيخ ابن تيمية رحمه الله عن إمام خبب امرأة على زوجها حتى فارقته ، وصار يخلو بها ، فهل يُصلى خلفه ؟ وما حكمه ؟
فأجاب : في المسند عن النبي  أنه قال ( ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبداً على مواليه ) فسعي الرجل في التفريق بين المرأة وزوجها من الذنوب الشديدة ، وهو مِنْ فِعْل السحرة ، وهو من أعظم فعل الشياطين ، لا سيما إذا كان يخببها على زوجها ليتزوجها هو ، مع إصراره على الخلوة بها ، ولا سيما إذا دلَّت القرائن على غير ذلك . ومثل هذا لا ينبغي أن يُولى إمامة المسلمين إلا أن يتوب ، فإن تاب تاب الله عليـه ، فإذا أمكن الصلاة خلف عدل مستقيم السيرة فينبغي أن يُصلى خلفه ، فلا يُصلَّى خلف من ظهر فجوره لغير حاجة ، والله أعلم . ( مجموع الفتاوى 23 / 636 .
 
وقال ابن القيم رحمه الله : وقد لعن رسول الله  من فعل ذلك ، وتبرأ منه ، وهو من أكبر الكبائر ، وإذا كان النبي  قد نهي الرجل أن يخطب على خطبة أخيه ، وأن يستام على سومه ، فكيف بمن يسعى بالتفريق بينه وبين امرأته وأَمَته حتى يتصل بهما .
 
وعشاق الصور ومساعدوهم من الديثة ( جمع ديوث ) لا يرون ذلك ذنباً ، فإن في طلب العاشق وصل معشوقه ومشاركة الزوج والسيد في ذلك من إثم ظلم الغير ما لعله لا يقصر عن إثم الفاحشة إن لم يربُ عليها ، ولا يسقط حق الغير بالتوبة ، فإن التوبة وإن أَسْقَطتْ حق الله فحق العبد باق ، له المطالبة به يوم القيامة ؛ فإن ظْلْمَ الزوج بإفساد حبيبته والجناية على فراشه أعظم من ظلمه بأخذ ماله كله ، ولهذا يؤذيه ذلك أعظم مما يؤذيه بأخذ ماله ، ولا يعدل لذك عنده إلا سفك دمه ، فيا له من ظلم أعظم إثماً من فعل الفاحشة ، فإن كان ذلك حقاً لغازٍ في سبيل الله وقف له الجاني الفاعل يوم القيامة وقيل له : خذ من حسناته ما شئت . كما أخبر بذلك النبي  ، ثم قال : ( فما ظنكم ؟! ) أي فما تظنون تبقى له من حسناته ، فإن انضاف إلى ذلك أن يكون المظلوم جاراً ، أو ذا رحم محرم : تعدد الظلم ، وصار ظلماً مؤكداً لقطيعة الرحم وأذى الجار . ولا يدخل الجنة قاطع رحم ، ولا من لا يأمن جاره بوائقه ( الجواب الكافي – ص 154 ) .
 
ويريد ابن القيم رحمه الله حديثه  الذي أخرجه مسلم في صحيحه ( حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم ، وما من رجل من القاعدين يخلف رجلاً من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم إلا وُقِف له يوم القيامة فيأخذ من عمله ما شاء .. فما ظنكم ؟! ) صحيح مسلم .
ولقد عرضت للحديث وبيان ما فيه في الجزء الثالث من ( أحاديث المرأة في الصحيحين ) ومما ذكرته : لقد رهَب  من خيانة المجاهد في أهله بثلاثة أمور :
أولاً : جعل حرمة نسائهم على القاعديـن كحرمة أمهاتهم ، فالمرء يسهل عليه الدخول على أمه ، بل لعله يقيم معها ، لكنه يراعي حرمة أمه مراعاة شديدة ، ولا يخطر في باله إلا حفظ أمه ، وحفظ حرمتها ، منه ومن غيره .
وحين جعل النبي حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم ؛ فقد أراد تعظيم هذه الحرمة ، وتعظيم النيل منها .
ثانيها : خيانة المجاهد في أهله تُلْحِق بالخائن خسارة عظيمة جداً ؛ خسارة ما جمع في الدنيا كلها من حسنات ، أي أنه معرَّض ليفقد جميع أعماله الصالحة التي كان يرجو ثوابها من الله يوم القيامة ؛ ليأخذها منه هذا المجاهد الذي لم يحفظ الخائن له أهله في غيبته .
يقول  : (( .. وما من رجل من القاعدين يخلف رجلاً من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم إلا وُقِف له يوم القيامة فيأخذ من عمله ما شاء )) .
 
ثالثها : لا شك في أن الموقف الصعب يوم القيام ، وحاجة كل إنسان إلى مزيد من الأجر ، تجعله لا يوفِّر ما يُتاح له أخذه شيئاً .
ولقد رهّب النبي  من خيانة المجاهد بالتذكير بذلك الموقف الصعب ، والتنبيه على أن المجاهد وقد أتيح له يوم القيامة أن يأخذ ما يشاء ، لن يوفر شيئاً مما يتاح له أخذه .
 
 منقول 
 
الكاتب : محمد رشيد العويد