هروب الأزواج

هروب الأزواج

 

إن ابتعاد الزوج عن منزله وانشغاله أو تشاغله من أسرته ، من الظواهر التي نتج عنها آثار سيئة ليس على الأسرة فقط بل على المجتمع ككل .

 

فما الذي ينفِّر الرجل من منزله ؟ إن الإجابة على هذا التساؤل واسعة ، وتتداخل العديد من الأسباب والعوامل بشكل مباشر وغير مباشر، و سأركِّز في حديثي على دور الرجل في وجود هذه المشكلة وفي علاجها .

 

وحتى نتصور حجم المشكلة فإن ابتعاد الرجل عن منزله ليس فقط في الذهاب إلى المقاهي بل حتى ممارسة الأعمال الحرة خارج الدوام مثلاً (عند البعض طبعاً) هي فرصة وعذر مقبول  للبقاء أطول وقت ممكن بعيداً عن المنزل .

 

ومن واقع الممارسة العملية هناك العديد من المفاهيم المغلوطة لدى الزوج عن الحياة الزوجية والتي احسب أن لها علاقة قويه في ابتعاد أو (هروب) الزوج عن بيته ، فمن ذلك .

 

-  أن يكون الزواج في حس الرجل لا يعدو عن كونه مطلباً اجتماعياً لابد أن يقوم به ، وان بقاء الرجل دون زواج يعتبر أمراً (نشاز) فالأمر لديه مجرد اقتناء (سيارة وجوال وزوجه) وينتهي الهدف الأساسي في فهمه للزواج بمجرد تخرجه من مدرسة العزوبية ، فهل تنتظر من مثل هذا أن يقيم وزناً لزوجته أو بيته ؟

 

جانب آخر أن يكون لدى الرجل تصور أن الزواج ليس إلا مسؤليه وعناء (مصاريف و دوشة عيال) فمجرد ذكر البيت والأولاد يولِّد لديه مزيجاً من مشاعر القلق والانزعاج و الغضب أحيانا تُترجم في الواقع كسلوك هروب بينما يختلف الأمر تماماً عند من استقر في ذهنه أن الزواج فرصة لحصول الاستقرار و السكن والراحة النفسية ، وهذا يعتمد على استقرار العلاقة بين الطرفين وقيام كل منهما بواجباته تجاه الآخر فالرجل هنا يعلم يقينا أنه هو الذي سيخسر هذه الثمرة العظيمة من الزواج -  أعني الاستقرار و السكن – إذا قصر في حق زوجته ، وإن كان ذلك لا يعني خلو الحياة الزوجية من المنغِّصات والمشكلات .

 

-  أمر ثالث أن يكون الدافع لهروب الرجل من بيته هو بحثه عن ذاته حيث يجد الاحترام و التقدير من زملائه  فالزوجة ها تلعب دوراً رئيساً في جعل الزوج يشعر دائماً أنه محل التقدير والاحترام في بيته وتوجِّه أولادها لتحقيق ذلك أيضاً ، ولكني أهمس في أذن الزوج أن أعلم أن احترامك وتقديرك من قِبَل زوجتك و أولادك يأتي من احترامك لهم وتقديرك لمشاعرهم .

 

- هناك أيضاً نظرة خاطئة حول دور كل من الزوجين فبعض الرجال يرى أن دور الزوج محدد ومقتصر على توفير المتطلبات المادية من مأكل وملبس .. وسائر أمور المعيشة ، ودور المرأة يكون في تربية الأولاد ، والقيام بشئون المنزل الداخلية ، فتكون الأسرة كمؤسسة واحد يمثل الزوج فيها مكتب الشئون الخارجية وتمثل الزوجة مكتب الشئون الداخلية ، ولكل واحد منهما وصف وظيفي يتطلب القيام به ولا علاقة بين الاثنين البتة ، وهذه النظرة تكاد تكون مترسخة عند الكثيرين واتخذها البعض مبرراً لتغيبه عن المنزل لأنه قد أدى الدور المطلوب منه فلا غضاضة أن ينقطع الساعات الطوال عن البيت .

 

-  ومن نفس المنطلق عندما يسيء الرجل فهم القوامة كما جاء في كتاب الله " الرجال قوامون على النساء " ، فالزوج يضع نفسه موضع المدير الذي لا يعمل ولا يتحمل أي تبعات وإنما وظيفته إصدار الأوامر وتوزيع المسؤوليات والتكاليف على الغير وويل للمقصرين. وأما هو فله الحرية في الاستمتاع والذهاب للمقاهي و الاستراحات .

 

-  في أحيان كثيرة يكون الهروب من المنزل في حقيقة الأمر هروباً من المشكلات داخل المنزل ، والواقع أن كثيراً من الأزواج يهمل في حل بعض المشكلات داخل بيته حتى تكبر وتتراكم مع غيرها من المشكلات فيصبح البيت جحيماً لا يطاق فيرى أن الهروب من المنزل هو الحل الوحيد حينها .

 

-  وللزوجة دور أيضاً في هروب زوجها، فعدم تهيئة المكان المناسب والمناخ الملائم لاستقبال الزوج وتهيئة ما يستدعي بقائه في المنزل والتي لا تخفى على أي زوجة عاقلة ، كل ذلك مما يدفعه للبحث عن الأماكن التي يجد فيها الراحة والمتعة كإلاستراحات ونحوها . ويزداد الأمر سوءاً عندما تجعل المرأة وجود زوجها في البيت فقط الحديث معه عن المشكلات و قائمة الطلبات .

 

-  أما بالنسبة لعلاج هذه الظاهرة فأعتقد أن التوعية أمر ضروري وأكاد أجزم أن كثيراً من الأزواج يعانون من الأمية في إدراك معاني ومقاصد الزواج العظيمة وفهم سيكولوجية الطرف الآخر حتى يكون التعامل بأسلوب مناسب وإيجابي ، وقد يأتي هذا الحل من خلال إقامة دورات عن الحياة الزوجية وسبل إنجاحها للمقدمين على الزواج ، وكنت قد طرحت سابقاً مقترح حول إلزام المقدمين على الزواج بدورة عن الحياة الزوجية على غرار الفحص ما قبل الزواج ، وهناك تجربة في إحدى الدول الإسلامية (ماليزيا) حيث نجحت إحصائياً في تقليل حالات الطلاق بنسب مشجعة بعد فرض مثل هذه الدورات قبل الزواج .

 

-  أمرٌ آخر بالنسبة لعلاج مثل هذه المشكلة من خلال مراعاة التوجيهات و الآداب الشرعية التي تكفل الحياة الزوجية السعيدة ، وإشارةً لآية واحدة من آيات القرآن الكريم تحسم هذا الموضوع وهي قوله تعالى: "ولهن مثل الذي عليهن بالمـعروف"، قـال ابن عباس رضي الله عنه" إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي، لهذه الآية " فالمرأة كما هي مطالبة بإسعاد زوجها وإدخال البهجة في نفسه، فالزوج كذلك، وهكذا في سائر الحقوق . 

 

 

نشر في مجلة اليمامة عدد1840 (4/12/1425هـ)

الكاتب : د/ رياض عبدالله النملة استشاري الطب النفسي